الناقد أحمد حلب: يستدل بقصيدةالشاعرة إيمان الجرعي في نقده للرؤية الشعرية العابرة للزمان والمكان

بقلم : أحمد السيد

أمير الشعراء المزعوم

لم ينفرد أحمد شوقي بإمارة الشعر العربي .. فقد بويع بشارة الخوري ( الاخطل الصغير ) بعده بعقود بإمارة الشعر . و كما ألقى حافظ إبراهيم قصيدته المدوية في مبايعة شوقي ألقى عمر أبو ريشة قصيدة فخمة في حفل مبايعة بشارة الخوري .
و كتب الأديب أنيس المقدسي الخوري في النصف الأول من القرن المنصرم كتابه الشهير ( أمراﺀ الشعر العربي في العصر العباسي ) ضم بين دفتيه أعلام الشعر العربي في ذلك العصر كبشار بن برد و أبي نواس و مسلم بن الوليد و أبي تمام و البحتري و ابن الرومي و المتنبي و المعري و الشريف الرضي وصولاً لابن الفارض .. فهؤلاﺀ قطعا من أمراﺀ الشعر العربي دون أن يتلقب أحدهم بذلك : الإبداع وحده وضعهم على اريكة الإمارة .
و مثلهم شعراﺀ المعلقات و نوابغ العصر الأموي .. فالمحصّلة أن صقور القريض العربي طوفوا في سمائه بإنتاجهم و تميزهم في فن الشعر .. حتى صار كل منهم إمام مدرسة شعرية أو كاد ..

– لقب ( امير الشعراﺀ ) في هذا العصر :
و أما مهرجان ( أمير الشعراﺀ ) و تنصيبه كل عام أميرا من الشعراﺀ المشاركين فله و عليه : له أنه يحيي علاقة العربي بفنه القولي الأول و يمد الشعراﺀ مدا ماديا و أدبيا مساهمة في تلميع الشعر و الشاعر و فتح سبل الشهرة و العطاﺀ
و عليه أن بعض من رسموه أميرا يشبه – في تجربته الشعرية – فسيلة صغيرة غريرة يتم وضعها جوار نخلة ضاربة الجذور شامخة في السماﺀ .. هكذا هو الحال حين نضع بعض هذه الأسماﺀ في حضرة شوقي و الأخطل و النابغة و امرئ القيس و آبي تمام …
ثم إن إفراز الشعر العربي أميرا كل عام يجعل من إمارة الشعر حيا صغيرا مبتذلا لا وزن له و لا خطر ..
و كان الأجدى تغيير اللقب كأن يقال : نجم الشعر العربي في عام 2021 م ( مثلا )
و أن يختار المهرجان – بالتعاون مع الجامعة العربية – كل عقدٍ شخصية شعرية مرموقة متميزة يتم تطويبها على عرش الإمارة .

خليفة شوقي :
و الأغرب من ذلك صدور صيحات إعجاب من هنا و هناك بين فينة و أخرى : هذا الشاعر هو خليفة شوقي !
يقال إن شاعر اليمن محمد محمود الزبيري القى في خمسينيات القرن المنصرم شعرا في دار العلوم المصرية و كان الدكتور طه حسين في مستمعيه فقال العميد :
هذا شعر لم نسمع له مثيلا بعد غياب شوقي و حافظ !
و هكذا تكرر القول في غير الزبيري .. فالإعجاب الانطباعي يدفع هذا و ذاك للقول دون روية و لا تمحيص : هذا هو – لا غيره – خليفة شوقي !
و الزبيري رحمه الله شاعر عظيم و مناضل أعظم .. لكنني أعني المستشوقين الآخرين ..
و حجة القائلين بخليفة لشوقي أن هذا الخليفة المزعوم ذو إنتاج غزير و لا يخطئ في العربية و لا العروض ( و هذه ليست من مقاييس التفوق الشعري ! )
و صاحبهم المطوّب خليفة شاعر قليلا نظّام كثيرا ..ليس في إنتاجه كله ما يشبه روائع الكبار : أين شعره من ( سلوا قلبي – و نكبة دمشق ….) لشوقي. او ( كم ذا يكابد عاشق – و لمصر ام لبلاد الشام … ) لحافظ او ( أجب ايها القلب – و أنكرت يومك أن يكون رثاﺀا … ) للجواهري . أو ( قالوا دهت مصر دهياﺀ – و وردة من جرحنا …) للأخطل الصغير . أو ( الكعبة الزهراﺀ – و من وحي النكسة …) لبدوي الجبل . أو ( ترصيع بالذهب على سيف أموي – و من مفكرة عاشق دمشقي …) لنزار . أو ( هيكل الخلد – و عرس المجد .. ) لعمر أبي ريشة ؟ ؟ ؟ !

و غير هؤلاﺀ في هذا العصر أشعر و أكثر إبداعا ممن تزعمون
و غير هذه القصائد كثير و لا نظير لها و لا يدانيها إنتاج خليفتكم المزعوم

شوقي الشاعر المجدد :
و كان شوقي من بوارق التجديد في الأدب العربي ليس بقوة لغته و حلاوة عبارته و سيرورة أبياته و بديع خياله فحسب .. بل هو مجدد في كتابة المسرحية الشعرية و في شعر الأطفال الذي ساقه بكل رشاقة على ألسنة الحيوانات و في هضم التراث الشعري و معارضة أعلام الشعر العربي إثباتا لرسوخ قدمه في الفن ..
فماذا أضاف خلفاؤه المزعومون ؟

آية الإبداع و الرؤية الشعرية العابرة للزمكان :

آية ذلك أن يكون الشاعر متصالحا مع الجديد متمثلا في شعر التفعيلة دون اشتراط أن يكتب في هذا اللون .
فالانتقاص من شعر التفعيلة من اعراض مرض التقليد و المحاكاة و عبادة الأصنام : إنا وجدنا آباﺀنا …
فشعرية السياب لا يرتاب فيها ذوّاقة ( يكفي أن تقرأ له قصيدتين : بورسعيد 1956 – و المومس العمياﺀ .. ) لتدرك حقيقة هذه الموهبة الفذة !
و العجيب أن فقد التذوق كفقد العقل جزئيا أو كليا .. فمَن مِن أصحاب الذائقة المرهفة السليمة لا يعجب بشعرية أحد امتدادات رواد التفعيلة : نزار قباني مثلا ؟
أتطرب إذ تسمع ( قارئة الفنجان ) و ( رسالة من تحت الماﺀ ) و ( اغضب كما تشاﺀ ) و ( كلمات ليست كالكلمات ) أم أنك تعاني من صدإ إحساسك و تراكم غبار القرون عليه فما زلت ترى الشعر بمنظار الصعاليك و الطرمّاح و الأخطل الأموي و السموﺀل بن عادياﺀ ؟
عبَّروا عن ذائقة عصرهم فلا تظن أنهم خاتمة الإبداع

شاعرة ترثي شاعرة :
و بعيدا عن كبار الشعر التفعيلي هذه قصيدة كتبت حديثا من قبل الشاعرة اليمنية الشابة إيمان علي الجرعي ترثي بها شاعرة راحلة .
تأمل الصور الموحية و تمتع بالموسيقى البديعة و الدلالات السامية :

أمن قسوة الحرب يا فاطمةْ
رحلتِ كانشودة ناعمة ..؟!
لماذا انطفأتِ وكنتِ الضياء..؟
تشعين بالحب والكبرياء
كأيقونة للهوى دائمة
أيا امرأة من عصير الغيوم
إذا ابتسمت عانقتها الشموس
بعينيك تسمو مرايا الصباح
فتعلن عن ثورة عارمة
لماذا انطفأتِ وكل النجوم
تسامر أفكارك الحالمة
وتعلن أنك كل الفصول
وبدء القصائد والخاتمة
لماذا تركتِ الحروف يتامى
تكابد أحزانها الغاشمة
وتبكيك كل العيون اشتياقا
وكل المدائن والعاصمة
رحلت وهذي البلاد كروحي
تئن بأحزانها الجاثمة
يحاصرها الموت من كل صوب
وآلهة الحرب في غيها
تزيد جراحاتنا الآثمة
نسينا طفولتنا ..
وكبرنا
نسافر في عرَصات الضياع
ونغسل بالدمع وجه القرى
نفتش بين ركام الرزايا
عن الفَرْح .. في السحنة الواجمة
أ تدرين أني أغني كثيرا
على مقلتيها
أفتش بين الرماد عن المستحيل
وأبكي طويلا على ناهديها
ومازلت أبكي
و مازلت أهذي بتلك الأماني
بأن لنا ستكون بلاداً
وعمراً جديداً مع الأمنيات
وأن السماء ستمطر تمطر بالمعجزات
وبالحب أزمنة قادمة
فكيف رحلت ..؟
وكيف انطفأت
أيا امرأة تتحدى الزمان
وتشعل بالحب روح المكان
فكيف سأرثيك يا فاطمة..