مسؤولية قبل الأوان.. قصة طفل يمني يعيل أسرة بمفرده
قصة/فوزي المنتصر
يبدو الطفل جلال القدم (14 عاما) غريبًا عن هويته العمرية وغير متسق مع سنه الطفولي، حيث تتداخل طفولته مع استحقاقات تفوق سنه، بعد أن وجد نفسه الملاذ الأوحد لستة من إخوانه الصغار، ذلك أنه الأكبر بينهم، حيث وجد ذاته مُلزمًا بممارسة دور الأبوة العاطفي تجاه إخوانه بعد فقدان أبيهم قبل نحو نصف عام.
لم يحظَ الطفل القدم بإمتيازات الطفولة، وليس بوسعه أن يلهو كما الأطفال الآخرين، ويبدو كما لو كان لا يملك الحق في أن يكون طفلًا، فقد وجد ذاته ضمن دور أكبر من عمره، الأمر الذي دفعه للتخلي عن بعض معالم طفولته، كاللهو واللعب، وهو ما قد ينعكس سلبًا على واقعه النفسي على نحو قد تظل آثاره باقية في شخصية الطفل في المستقبل.
عمل شاق
انخرط القدم في عمل شاق، حيث يعمل حاليًا في مديرية أرحب (شمال صنعاء) في حقول القات، بمعدل 15 ساعة في اليوم معظمها تتركز في الليل، وبمقابل مادي لا يتجاوز 5 دولارات في اليوم.
يقول جلال: “منذ وفاة والدي تركت المدرسة واضطررت للعمل في منطقة أرحب في مهمة قطف القات، للحصول على مصدر رزق يومي أعود به إلى أسرتي”.
ويؤكد الطفل أنه قد يتعرض للّوم من قبل المجتمع الذي يعيش فيه في حال لم ينخرط في العمل، ذلك أنه المسؤول الوحيد عن أسرته بعد وفاة والده في مايو الماضي، على إثر رصاص راجع، وهو في شارع المطار.
مسؤوليات
يشعر القدم بالمسؤولية تجاه أسرته، ويخشى دومًا من أن تتعرض للحاجة، ويقول: “سأشعر بالعار إن رأيت في عيني أمي وأخواني أني لست رجلًا مسؤولًا بما يكفي “.
يعيل القدم من عمله البسيط أسرة مؤلفة من 7 أطفال هو أكبرهم، إضافة إلى والدته، ويحرص على توفير مستلزمات الدراسة لإخوانه الصغار الذين التحقوا في المدرسة، بينما أضطر هو لتركها.
لكن دور جلال لا يكفي لاحتواء إخوانه الصغار الذين يشعرون باليُتم والحرمان، في حين يؤكد أنه يبذل قصارى جهده في العمل لتوفير كل ما تحتاج إليه أسرته سواء فيما يتعلق بمتطلبات العيش أو مستلزمات الدراسة للأطفال الصغار.
فقدان
يتذكر الطفل والده، ويقول: ” والدي ترك فراغًا كبيرًا بعد وفاته”، مستعيدًا ذكريات لطيفة جمعته به، ويؤكد أنه من الصعب نسيان تلك الذكريات التي تثير لديه الألم في بعض الأحيان، مشيرًا إلى عجزه عن مواساة إخوانه الصغار حين يتذكرون والدهم وينخرطون في البكاء.
ورغم أعباء المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق جلال، إلا أنه يؤكد أن فقدان والده كان الأقسى من بين كل ما يمكن أن يمر به في الحياة.
يقاوم جلال شعوره بالضعف الذي يعتريه أثناء العمل لافتقاره إلى القدوة الذي يمكن أن يدعم عزيمته، ويشعر أن العمل يغدو شاقًا أكثر في ظل الشعور باليتم والفقدان. “لو كان أبي موجودًا، سيكون من السهل أن أعمل دون كلل”، يقول.
فرحة مفقودة
يتابع:” لم تعد تدخل الفرحة منزلنا بعد وفاة أبي، ونشعر بأن شيئًا ما ينقصنا”، يردف: أبي كان حنونًا، وكان وصوله من العمل إلينا أمرًا مبهجًا، ودائما ما كان يجالسنا وكثيرًا كان يمازحنا.
كان جلال قبل وفاة والده يقضي أوقات فراغه في اللعب واللهو مع أصدقاءه الصغار، لكنه فقد هذا الامتياز الطفولي بعد وفاة والده، ويؤكد أنه فقد رغبته في اللعب حتى في أوقات فراغه، ذلك أن همه بات متركزًا حول مسؤوليات أكبر منه.
يقول: بعد وفاة والدي، لم أعد أرغب باللعب مع أصدقائي، وحتى أني تخليت عنهم، وبت أشعر وكأني غير قادر على التكييف معهم.
أمور كثيرة أرهقت الطفل جلال منذ وفاة والده، نفسيًا وعاطفيًا، لكنه يستثني منها أمر تنازل جده وجدته عن ورثهما من والده لصالح أطفاله الذي يعد جلال أحدهم، وهذا أمر يضيف له ولإخوانه بعض البهجة.
يشير جلال إلى أنه كان قلقًا تجاه عدم تنازل جده وجدته عن ورثهما من والده، لصالح الأطفال الأيتام، لا سيما أنهم يمرون بظروفِ معيشية قاسية، وقد يسلبهما نصيب الأجداد من ميراث والدهما؛ المنزل الذين يسكنونه في صنعاء.
ويؤكد أنه شعر بانزياح هم كبير حين تلقى خبرًا من أجداده بالتنازل عن نصيبهما من إرث والده المتوفي.
مخاوف
ما يؤرق الطفل جلال هو فكرة توقف العمل كليًا في أرحب في نهاية فصل الشتاء، وهو الأمر الذي قد يؤثر على حياة أسرته، حيث يقول:” يبدأ انقطاع العمل في أرحب في القات تدريجيًا منذ بداية دخول الشتاء، ولكني كنت ومازلت أشعر بالقلق من فكرة توقف العمل كليًا خلال شهري ديسمبر الماضي، ويناير الحالي؛ لأن المزارعين يتوقفون عن ري القات، يخافوا من شدة البرد الذي قد يحرق المحصول، بحسب تجاربهم لأعوام سابقة”.
وتابع: وإن كان هناك بعض المزارعين يقومون بري بعض الحقول، فالمحصول يتأخر بسبب البرد ويكون المحصول أيضًا ضئيلًا جدا؛ ولهذا يستغني المزارع عن الكثير من العمال، وقد لا يحتاج عمال.
لكن جلال لا يفقد الأمل، ويقول إنه بإمكانه الذهاب لمنطقة الأهجر في المحويت، و”هناك سيكون العمل لا بأس به خلال تلك الفترة”، حسب تعبيره.
يصر جلال أن يمضي على منوال والده لخدمة إخوانه الصغار رغم الآلام التي تعتريه، ويعتقد بأن نجاح إخوته ووصولهم إلى ما كان والده يسعى إليه هو هدفه في الحياة.
ويؤكد أن وفاة والده لا يجب أن تمنعه وإخوانه من السعي وراء تحقيق حلم الفقيد في أولاده. يقول: “صحيح أننا لم نتوقع أن نعيش يوما ما بدون والدي، لكني راض عن قدر الله”.
يردف: “سنحاول أن نكون سعداء لأن والدي كان يريد دائما أن نكون كذلك”.
يختتم جلال حديثه برسالة افتراضية موجهة لوالده يقول فيها: “أبي.. أريدك أن تعرف أنك معنا دومًا، وأننا لن ننساك أبدا، ولا نزال نتذكرك كل يوم”.
ويؤكد أن الحياة ليس لها مذاق في غياب والده، لكنه يشير إلى أنه قادر مع إخوانه الصغار على مجابهة الحياة. يتابع: “سنتحمل غيابك يا والدي وفاء لخوفك علينا”. ويعد جلال بأن يقوم بدور أبيه تجاه أسرته على أكمل وجه.
وكانت أسرة جلال قد انتقلت من المحويت إلى منطقة بني الحارث في صنعاء قبل عامين هربًا من الوضع المعيشي المتدهور، وشحة فرص العمل في المحويت، وتسكن الأسرة حاليًا في منزل شعبي مكون من ثلاث غرف كان والده بناه خلال مرحلة سابقة.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.
اترك تعليقاً