في ضاحية نائية عن العمران شرق مدينة صنعاء، يجثم مبنًى مستطيلٌ ضخم من الطوب المُصْمَت، يعلوه سقفٌ مثلثٌ من الصفيح، وفي الواجهة ينتصب بابٌ معدني، يبدو من بعيد كأنه يبتلع مركبات الشحن التي تدخل المبنى ثم يوصد في إثرها، بينما تخلو جميع الواجهات الخارجية من أي لافتة أو لوحةٍ تعبر عن هوية الكيان المبهم، عدا ما يمكن أن تستشفه بمحض الاقتراب وسماع هدير الآلات، لتعرف أن مصنعًا بالداخل.
كان هذا المكان، مُنتهى الخيط الذي قادنا إليه بحثنا عن مصدر إنتاج أحد منتجات التعقيم المنتشرة في السوق المحلية باسم ديتولز (dettols)، يتم إنتاجه في هذا المصنع التابع لشركة يمنية تدعى “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة”، وهو منتج مقلد عن العلامة التجارية الأصلية “ديتول” (dettol) المملوكة للشركة البريطانية ريكيت بنكيزر، مع فارق زيادة حرف (s) نهاية الاسم المقلَّد.
بالتحرِّي عن العلامتين في سجلات وزارة التجارة والصناعة اليمنية التي سُمِحَ لنا بالاطلاع عليها (شرط عدم تصويرها)، وجدنا أن اسم علامة ديتول تم تسجيله رسميًا عام 2014، كما تم تسجيل شكل العلامة عام 2020، عبر مكتب أبو ستة وشركاه (بيانات للملكية الفكرية حالياً)، لصالح الشركة الأصلية المالكة للعلامة، في حين لا وجود لأي توثيق رسمي للعلامة المقلدة ديتولز.
معاذ الأغبري، مندوب مكتب “بيانات للملكية الفكرية”، قال -ردًا على سؤالنا عن موقفه حيال تقليد العلامة المُسجَّلة عبر مكتبه- إن تكرار التعدي على علامة ديتول بشكل مستمر؛ جعل الأمور تخرج عن السيطرة، “استمرار التعدي على العلامة اكسبها طابع التداول؛ حاليا نلجأ لحماية الاسم التجاري، أما بالنسبة لديتولز فيعد تقليدًا واضحًا للاسم والعلامة التجارية معًا”.
يُوْضِحُ الأغبري أنَّه من الممكن أن تمارس بعض الشركات أشكالًا من التقليد المشروع، شرط أن يتوفر لها حق الانتفاع بالمنتج من قبل الشركة الأم، لكن حتى اللحظة لا يوجد مصنع يمني مُنِحَ حق الانتفاع بعلامة ديتول، مُبينًا أن نظيرتها المُقلِّدة (ديتولز) غير مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وغير حاصلة على امتيازات من الشركة الأم، حد قوله.
إلى هنا، صارت مهمتنا تقتضي التركيز على معرفة الكيفية التي تتم بها عملية التقليد؛ لذا كان لا بد من إيجاد طريقة للوصول إلى داخل مكان الإنتاج (المصنع)، وبالفعل نجحنا بعد ثلاثة أيام من المحاولة في إقناع مدير المصنع، الذي وافق على السماح لنا بالدخول بوصفنا صانعي محتوى، كما سمح لنا بأخذ جولة داخل المصنع للتعرف على عملية الإنتاج شرط عدم التصوير.
عوضًا عن ذلك، لجأنا إلى طريقة لا تخلو من المخاطرة، وهي التصوير السري باستخدام كاميرا المحمول. كان المصنع مجهزًا بكامل خطوط الإنتاج من آلات مزج المواد الأولية، وصولًا إلى التعبئة والتغليف، ما يعني أن جميع عملية التقليد تتم داخل المصنع الذي تبيّن لنا أنه ينتج عشرات الأنواع من المنظفات غير ديتولز.
خلال حديثنا مع مدير المصنع عن تقليد الاسم والتصميم الصناعي الخاص بعلامة “ديتول”، قال إن المصنع لديه ترخيص رسمي، وعلامة “ديتولز” مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وحين طلبنا أن يعرض علينا الترخيص الذي بحوزته، رفض بشكل قاطع، واكتفى بالتأكيد على أن كل ما يخص الإنتاج في المصنع يتم بشكل قانوني وسليم.
حديث مدير المصنع عن سلامة أموره القانونية رغم وجود تقليد واضح يتعارض مع القانون، كان يَحْتَمِل فرضية وجود تواطؤٍ ما من جانب الجهة الرسمية المختصة بإصدار التراخيص؛ الأمر الذي حَمَلنا على العودة مجددًا للبحث بشكل أوسع حول كل ما يتعلق بشركة “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة” في سجلات وزارة الصناعة والتجارة، مع التركيز أكثر على قسم العلامات التجارية.
في هذه المَرَّة عثرنا على العلامة الخاصة بمصنع “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة”، ضمن طلبات تسجيل العلامات التي قُدمِت إلى الوزارة وتم رفضها، أي أن المصنع يمارس عمله دون ترخيص، وهو ما يفسَّر خلو واجهاته الخارجية من أي اسم أو علامة تعبر عنه. عثرنا فقط على علامة تجارية تدعى “مايسترو”، ملكيتها مسجلة بالاسم الشخصي لمدير المصنع.
.
صُنِع في القبو!
العلامة المقلّدَة “ديتولز”، لم تكن سوى واحدة من أصل 61 علامةً تجارية مقلدة عملنا على رصدها خلال تسعة أشهر من العمل على هذا التحقيق؛ الذي يكشف الغطاء عن ظاهرة تجارية غير قانونية، تتعلق بقيام شركات ومعامل داخل اليمن بتقليد علامات تجارية مملوكة لشركات محلية وأجنبية أكثر شهرة، على نحوٍ يهدد التنافس السوقي، ويخدع المستهلك بمنتجات مشكوك في جودتها، وبمعدل انتشار متصاعد.
ما يميز التقليد عن التزوير، أن التقليد لا يجنح للتطابق الكامل، بقدر ما يتعلق بالتعديل الجزئي في هيئة العلامة الأصلية بالمقدار الذي يخلق تضليلًا لدى المستهلك، أي أنَّ فكرة التقليد تتعلق في معظمها بالشكل الخارجي للمنتج، وتحديدًا في الغلاف أو العبوة.
التحريات التي قام بها مُعدا التحقيق حول هذه الجزئية، كشفت عن وجود مصانع ومطابع كبيرة توفر خدمة إنتاج الأغلفة للمقلدين بالشكل المرغوب دون تحفّظات من كونها مقلدة أم أصلية، أي أن العملية قد تتم بالكامل في مكان واحد بالنسبة للمصانع التي تملك خط إنتاج متكامل شأن مصنع “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة”، أو قد يشترك فيها أكثر من طرف بالنسبة لأي تاجر هاوٍ يملك رأس مال بسيط ومعملًا في قبوٍ ما.
لبرهنة ذلك، قَادنا البحثُ إلى ناصية في حي الزبيري، جنوب أمانة العاصمة، تُعرف راهنًا بـ”شارع المطابع”؛ تعدُّ إحدى أهم الوجهات التي يقصدها صغار المقلدين وأصحاب المعامل من أجل طباعة الأغلفة.
بزعم كوننا نملك معملًا لإنتاج الشوكولاتة، وقع اختيارنا -بشكل عشوائي- على إحدى تلك المطابع؛ طلبنا تصميم وطباعة ستة آلاف غلاف مطابق لغلاف شوكولاتة (Galaxy)، مع إجراء تعديل بسيط على العلامة الأصلية -لمقتضيات التقليد المضلل وليس التزوير الكامل- بوضع الحرف (F) محل الحرف (G) بنفس نمط ولون الخط.
كان الرد علينا بالإيجاب دون طلب أي ترخيص يثبت ملكيتنا للعلامة، رغم كون العلامة الأصلية مشهورة وقَصَد استغلال رواجها بالتقليد واضحًا.
اتساع البدائل أمام المقلدين في ما يخص التغليف والتعبئة، قد يتعدى الحيز المحلي إلى استعانة قسم من المنتجين/التجار بشركات صينية تقوم بصناعة الرولات والعبوات وفق التصاميم المطلوبة ثم شحنها إلى اليمن، وفقًا لـ صالح سعد المختص في إدارة قسم المنافسة والغش التجاري بوزارة الصناعة والتجارة بصنعاء.
يُلفت سعد إلى وجود عملية تقليد من نوعٍ مختلف تتعلق بقيام أكثر من شركة بالاستحواذ على وكالة ما، وقيامها جميعًا باستيراد نفس المنتج، دون أن تكون العلامة مسجلة باسم أيٍ من تلك الشركات لدى الجهة الرسمية، مع ذلك يمكن للمستورد المسجل للعلامة أولاً، أن يحوز حق احتكارها ولو كان مقلدًا.
.
وافدون من اقتصاد الحرب
منذ عام 2008، يعمل المحامي عبد الناصر ردمان، نائب مدير مكتب “أبو غزالة” للملكية الفكرية” في اليمن، وهي شركة ربحية مهمتها التدقيق في حقوق الملكية الفكرية، وتقديم اعتراضات قانونية بالوكالة عن شركات أجنبية تعرَّضت علاماتها التجارية للتعدي أو التقليد من جانب تجار أو شركات محلية.
يقول “في السابق كنا نقدِّم إلى القضاء اعتراضين أو ثلاثة على أكثر تقدير في الشهر، لكن منذ 2017 تقريبًا أصبحنا نقدّم شهريًا عشرة اعتراضات على الأقل”.
يعزو ردمان تلك الطفرة المفاجئة إلى التجار الجدد، الذين دخلوا السوق من بوابة اقتصاد الحرب، أو من تهريب المشتقات النفطية وغسيل الأموال وتجارة السلاح؛ بدافع رغبتهم في تنويع نشاطهم المالي دون فهم أو خبرة سابقة لأبجديات العمل التجاري، عدا هاجس تحقيق الربح السريع في فترة أقصر.
البيانات التي وقفنا على رصدها خلال هذا التحقيق، تشير فعلاً إلى زيادة لافتة في عدد قضايا العلامات التجارية التي عُرضت على القضاء التجاري بصنعاء، خلال الفترة ما بين عام 2018 حتى بداية يناير من العام الجاري 2023، بمجموع 1309 قضايا. تم البت في 541 قضية منها فقط، بينما ظلت 768 قضية عالقة في انتظار الحسم.
من بداية يناير 2022 حتى بداية يناير 2023، رُفِعَتْ 203 قضايا، تم البت في 51 قضية فقط، بينما ما زالت البقية محل نظر من قبل المحكمة التجارية.
في عام 2021 رفعت 256 قضية تم البت في 108 قضايا بينما تم ترحيل البقية لعام 2022
في 2020 رُفعت 306 قضايا. تم البت في 141 قضية، وترحيل البقية لعام 2021.
في 2019، رفعتْ 272 قضية. تم البت في 91 منها، بينما تم ترحيل بقية القضايا لعام 2020.
في 2018، رُفعت 272 قضية. تم البت في 150 قضية منها، وترحيل البقية لعام 2019.
التداول المنفلت للبضائع المقلدة في الأسواق اليمنية، يفصح عن مدى الانفلات الرقابي الذي يترافق مع الواقع الذي أفرزته الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس/آذار 2015، وهو ما يُقر به عبد الله شرف مدير عام مكتب نائب وزير الصناعة والتجارة بصنعاء، كما يقر بوجود تَرَخُّص من قِبَل الموظفين في الوزارة إزاء تسجيل بعض العلامات التجارية رغم تشابهها مع علامات أخرى، نظير مقابل يحصل عليه الموظف “من تحت الطاولة”.
في ذات الوقت، يرى أنه من غير المنصف النظر إلى ما يحصل من تجاوزات دون الأخذ في الاعتبار انقطاع مرتبات الموظفين في القطاع العام (منذ أغسطس 2016)، وغياب الميزانية التي توفر للموظف مقابلًا مريحًا، يعصمه من اللجوء إلى قبول الرشوة تحت ضغط الحاجة.
“لو أردنا حل المشكلة بالشكل الصحيح، ينبغي منع تسجيل أي علامة تحمل حتى نسبة 1% من التشابه، لكن ليس من المنطق أن تطلب من موظف أن يداوم في المكتب طوال اليوم دون مستحقات؛ هو يحتاج في المتوسط إلى سبعة آلاف ريال يمني، في اليوم، في حين أن المقابل الرسمي المخصص له أقل من خمسمائة ريال يمني”.
المشكلة ذاتها تنسحب على مندوبي النزول الرقابي، إذْ إن مهمة إيفادهم إلى الأسواق تقتضي -بحسب شرف- دفع مستحقاتهم، بينما لا يتوفر لدى الوزارة الميزانية الكافية “نحن مثلا في الإدارة الجديدة مر علينا أربعة أشهر دون أي مستحقات، وأغلب الإيرادات التي نعتمد عليها تأتي من المجلة (مجلة التجارة)، الممولة من رسوم مسجلي العلامات”.
.
قانونٌ متين وهامشٌ رخو!
قانونيًا، يُعدُّ الاستخدام غير المصرَّح به لعلامة مسجلة، أو تقليد العلامة ووضعها على البضائع، أو استخدامها بالنسبة للخدمات في نفس الصنف، وبيع البضائع التي تحمل علامة مزورة، أو حيازتها بقصد البيع، أو عرضها للبيع أو استعمال علامة مسجلة أصولا من قبل شخص آخر خلاف المالك؛ بقصد الترويج غير المصرح به لبضائع أو خدمات في نفس الصنف، جرائم يُعاقب مرتكبها بمقتضى المواد 47 و48 و49 و50 من “قانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن العلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية”.
أحمد اليوسفي، المحامي المتخصص في المرافعات التجارية، قال إن تقليد أي علامة تجارية مسجلة لدى الجهة الرسمية، يعد جرمًا جنائيًا، يُعاقب مرتكبه بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال يمني، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتُضَاعَف هذه العقوبة حال تكرار المخالفة.
يفيد اليوسفي أن القضايا من هذا النوع تندرج في إطار المنافسة غير المشروعة، ولِمالك العلامة الخيار في تقديم الدعوى إلى القضاء الجنائي أو القضاء التجاري.
سنَّت التشريعات اليمنية أربعة قوانين خلال الأعوام 2010- 2011- 2012، تشمل كل جوانب الملكية الفكرية، سواءً أكانت ملكية فكرية صناعية أم أدبية، وهي قوانين: العلامة التجارية، وبراءة الاختراع، وحق المؤلف، والتصاميم الصناعية. بذلك تم إزاحة آخر عقبة أمام اليمن في الانضمام إلى منظمات التجارة العالمية، بما يتفق مع معاهدة “باريس تريبس”، التي تعد الإطار العام للملكية الفكرية عالميًا.
من واقع اختصاصه، يذكر ردمان نوعين من التعدي على العلامات التجارية في اليمن؛ الأول تقليد في تسجيل العلامة التجارية، منهم من يفعل ذلك عن جهل، بقرينة أنهم يتنازلون عن العلامة بمجرد التنبيه من الشركة المالكة، لكن نسبتهم لا تتعدى 20%، بينما نحو 60% يفعلون ذلك بهدف ابتزاز الشركة الأصل أو احتكار وكالتها.
النوع الثاني هو التقليد في البضاعة، كأن يرى التاجر بضاعة أصلية رائجة، فيعمد إلى جلب ما يماثلها مقلدًا، دون الالتفات إلى تسجيل العلامة، وهذا الأخير يعد أصعب النوعين من ناحية البتّ القانوني (حال التقاضي)؛ لدواعي البحث وقصور المعلومات في قاعدة البيانات بالمحكمة، بحسب ردمان.
.
أشكال التقليد الرئيسية
بالإمعان في القضايا التي وقفنا على توثيقها، نَخلُص إلى تحديد ثلاثة أشكال لظاهرة تقليد العلامات التجارية في اليمن؛ الأول يتعلق بـ تقليد شكل العلامة، ويكون باستخدام ذات العلامة (خصوصًا العلامات الأيقونية)، مع التلاعب بالحجم أو اللون، أو تغيير الاسم والإبقاء على شكل العلامة الأصلية.
على هذه الكيفية، نجد نظيرين من منتجات زيوت وشحوم وولفر (WOLVER)، يحملان ذات العلامة التجارية مع فروق بسيطة في الشكل يتعذر على المستهلك العادي ملاحظتها. بالتحري عن العلامتين، نجد إحداهما أصلية حاصلة على توكيل من الشركة الأوكرانية المنتجة ومسجلة رسميًا برقم 13119، بينما العلامة الأخرى مقلدة، دخلت السوق بعدها بأربع سنوات.
الشكل الثاني يكون بـ تقليد اسم العلامة مع تغييرِ حرفٍ أو اثنين والإبقاء على شكل ونمط الخط (خصوصًا في العلامات التيبوغرافية). من هذا النوع نجد العلامة التجارية “زيتاس”، التي قلّدت اسم وشكل العلامة التجارية لشركة “إيتاس”، وهي الوكيل الحصري في اليمن للعلامة التجارية “Seetech” الخاصة بآلة عد وفحص النقود.
أما الشكل الثالث فهو تقليد التصميم الصناعي، ويكون بتقليد شكل عبوة أو غلاف منتج يخص علامة مشهورة، على شاكلة التقليد الواضح للتصميم الخاص بسكر “السعيد” من حيث الشكل وحجم العبوة ونمط ومكان وحجم الخط الموجود بتفاصيل كثيرة الشَّبه على “سكر الديار” و”سكر الحسام”.
في حين تتحقق أشكال التقليد الثلاثة السابقة مجتمعة في النظير المُقلّد عن ديتول (ديتولز).
وتعد علامة مياه “شملان” المملوكة لـ”شركة أروى لصناعة المياه المعدنية” (مقرها صنعاء)، أكثر علامة تجارية على مستوى اليمن تعرضت للتقليد خلال السنوات الثلاث الماضية، بإجمالي 29 علامة قلدتْ “شملان” من حيث الاسم والملصق والتصميم الصناعي للعبوة، منها 4 مصانع في صنعاء، و3 في صعدة، ومصنعان في تعز، و20 مصنعًا مجهولاً.
من أصل 29 علامة مُقلّدة، هناك ثلاث علامات (غير شملان) مسجَّلة رسميًا لدى وزارة الصناعة والتجارة اليمنية، باسم شركة أروى لصناعة المياه المعدنية، هي: (“شلان” مسجلة برقم 82263 بتاريخ 21/ 11/ 2017، و”شيلان”، مسجلة برقم 83500 بتاريخ 3/7/ 2018، و”شهلان”، مسجلة برقم 82261 بتاريخ 21 / 11 / 2017).
محامي الشركة عبد الله عبد الله غدر، قال إن الشركة عَمِدَتْ إلى تسجيل العلامات الثلاث -دون استخدامها- بهدف احتكار هذه الأسماء من احتمال التقليد أو المنافسة، مع ذلك تم تقليدها واستُخدِمَتْ نفس الأسماء المسجلة باسم الشركة، رغم الأحكام التي حسمت فيها نيابة الصناعة والتجارة بصنعاء.
يَذْكر غدر أنَّ الشركة رفعت 12 قضية تعدٍ على علامتها التجارية، إحداها على مصنع للعبوات يبيع التصميم الصناعي الخاص بعلامة شمّلان لمعامل تعبئة أو مصانع ليس لها أي علامة مسجلة، بيد أنَّه رفض الإفصاح سوى عن قضيتين فقط، لكنه أشار ضمنيًا إلى جهات تتعاصى على الكبح: “الشركة لا تستطيع أن تعمل شيئًا، وكذلك وزارة الصناعة والتجارة، لأن بعض المقلدين هم نافذون ومصانعهم في صعدة”.
.
إجهاض التنافس السوقي
كَعيِّنَة نموذجية، يقودنا التدقيق في اعتراضات (شكاوى) أربع علامات تجارية مسجلة (شملان/ جامبو/ وولفر/سكر السعيد)، إلى أن إحداها لم تخلُ من الإشارة -الصريحة أو المضمرة- إلى التضليل الذي يقع فيه المستهلك، وانعكاس ذلك على سمعة العلامة وما يترتب عليه من ضرر مالي على الشركة الأم.
الشركة الدولية للتجارة والمقاولات المحدودة (إيتاس)، إحدى الشركات التي كافحت لاستعادة خصوصية علامتها التجارية بعد نزاع قضائي. يقول أسامة الشبامي –المدير التنفيذي للشركة-: “إن الأمر قد يستغرق عدة سنوات في بناء سمعة حسنة للعلامة التجارية، أو العمل باسم وكالة أجنبية معينة، ثم يأتي من يسرق ذلك الجهد، سواء أكان ينتحل اسم العلامة التجارية أم يهرِّب إلى السوق نفس المنتج بمواصفات قد تكون مناسبة لبيئة مغايرة، حتى وإن أتى بها من نفس الوكالة”.
يصف أحمد اليوسفي هذا النوع من التعدِّي التجاري بـ “القرصنة”، نظرًا إلى تأثيره الاقتصادي على الشركات والمستهلك بشكل غير مشروع، في مقابل ما يحصده المقلدون “من مبالغ خيالية على حساب التعدي على العلامة المشهورة وجودة البضاعة وخامتها”.
على صعيد التأثير على مميزات التنافس التجاري، يشير الشبامي إلى أن تقليد العلامات يحرم المستهلك من “خدمة ما بعد البيع” كالحصول على قطع الغيار، والمواصفات التي تلبي حاجاته في المنتج، “استغرق منا الأمر سنتين في عمل التعديلات على آلات عد النقود خاصتنا في كوريا، حتى تتلاءم مع الحالة الرثة للعملة اليمنية، بينما لا توجد هذه الميزة في الآلات التي تقلد منتجاتنا وتباع بسعرٍ أقل، كون دخولها إلى اليمن يتم عبر التهريب”.
تنص المادة 47 من قانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن العلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية، على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كلَّ مَن زور أو قلَّد علامة تجارية مسجلة تتمتع بالحماية بموجب أحكام هذا القانون. أو استعمل -بسوء نية- علامة تجارية مزورة أو مقلدة. أو علامة تجارية مملوكة للغير. وكذلك من قدَّم أو عرض قدم أو عرض أو استعمل خدمات تحمل علامة تجارية مقلدة أو مزوَّرة. أو من باع أو عرض للبيع أو حاز بقصد البيع منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك. وفي حال تكرار أي من المخالفات المنصوص عليها في هذه المادة تضاعف العقوبة مع إغلاق المنشأة مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
وتنص المادة 48 من نفس القانون: “يعاقب كل من يخالف أي حكم آخر من أحكام هذا القانون بغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال”. بينما تذكر المادة 49 أن للمحكمة أن تحكم على المخالف تبعًا لجسامة المخالفة بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية التي تتراوح بين مصادرة السلع المحجوزة التي تحمل علامة تجارية مقلدة أو مزورة والتصرف فيها خارج القنوات التجارية أو عند الاقتضاء إتلافها، أو إتلاف العلامات التجارية المقلدة أو المزورة، أو مصادرة الآلات والمعدات التي استعملت في تزوير أو تقليد العلامة التجارية والتصرف فيها خارج القنوات التجارية أو عند الاقتضاء إتلافها، إلى جانب عدم السماح بإعادة تصدير السلع التي تحمل علامة تجارية مزورة أو مقلدة دون تغيير حالة العلامة، ونشر الحكم في صحيفة واحدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
في حين تنص المادة 50: “يجوز لكل من أصابه ضرر نتيجة أي من الجرائم المنصوص عليها في المادتين (47، 48) من هذا القانون أن يرفع دعوى على مرتكبيها أمام المحكمة للمطالبة بالتعويض عن الضرر”.
يعّرف القانون اليمني “رقم 23 لسنة 2010م بشأن العلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية” تحت بند مادة رقم (3) العلامة التجارية بأنها: كل ما يأخذ شكلاً مميزًا قابلاً للإدراك بالنظر، من أسماء أو كلمات أو حروف أو أرقام أو إمضاءات أو رسوم أو رموز أو أختام أو صور أو نقوش بارزة أو تكوين مميز من لون أو مجموعة ألوان أو أي مجموع من هذه العناصر إذا كانت تستعمل أو يراد استعمالها في تمييز سلع أو خدماتِ منشأةٍ تجارية أو صناعية أو زراعية أو حرفية أو خدمية.
العلامات التي قمنا برصدها في هذا التحقيق، لا تمثل سوى عينة ضئيلة من عدد يتعذر حصره من العلامات المقلدة المتداولة يوميًا في الأسواق اليمنية؛ جراء الانفلات الرقابي، ومحدودية تأثير القضاء التجاري في كبح وتيرة التقليد، خصوصًا حين يكون الطرف المقلد هلاميًّا يتعذر تحديده أو نافذًا يُجيد القفز على القانون.
▪︎التحقيق ينشر بالتعاون مع شبكة أريج للصحافة الاستقصائية
اترك تعليقاً